قفـص العنقاء / خاتمة |
في العراءِ المهندمِ النوافذُ تغدو سجناً وفي ذاكرةِ الأشياءِ تتسعُ
خلواتٌ شاغرةٌ ، الطائرُ الذي فكّرَ بالهربِ صدتْه الجهاتُ
قبل شروعهِ ، الجهاتُ الأسيرةُ التي تنتظرُ القمرَ ، القمرَ
الزائرَ الجريء الذي يتسللُ كلَّ مساءٍ بين النوافذِ كي ينكثَ
روحَه ويوزعها خيوطاً للجهاتِ ، الجهاتِ التي تنسجُ القمرَ
كلَّ يوم . العراءُ امرأةٌ عاريةٌ ، نسيتْ ( الجهاتُ ، النوافذُ ،
الطائرُ ، القمرُ ، ... الخ ) نفسها في حضرتها لتقيمَ موتها تمثالاً
. العنقاءُ انزوتْ في قفصها الرمادِ تراقبُ العراءَ وهوسَ النوافذِ الشبقةِ . أقتفي أثري ، بوصلةٌ عاثرةٌ تشيرُ إليَّ .. فأضيعُ ..
دلّني يا عراء ! قلتُ للجهاتِ الأسيرةِ ( آسرةِ الطائرِ المتمرد ) :
اندفعي ! قالتْ : ليس خلفَ العراء فضاء . قلتُ للعنقاءِ : اخرجي ! قالتْ : ليس بعد الرمادِ عشبٌ . قلتُ للعراء : تعرَّ قالَ : عرائي الذي يجعلُ سجنكَ أكثرَ إلفةً ورحمةً ...
أنتَ المنعتقُ بي ، أسيرُ مفاتني . ــ ولكني أسير! ؟ ــ لأنكَ لم تتسعْ مثلي ولأنكَ واسعٌ بلا جهات ولأنكَ بلا قمرٍ مشاكس ولأنكَ أنتَ ..... أنتَ المقتفي أثركَ مثلَ عتبةٍ حرون ، وإن تهربْ تهربْ
مثلَ نفقٍ ، تظنُّ أن لصحرائكَ نسغاً يسعُ مرورَكَ ، أيها
البحّارُ الضريرُ ، الظامئ مثلَ قدحٍ ، أيةُ بوصلةٍ ستقودُ
المراكب إليكَ ؟ وأنتَ المتعثرُ بمركزكَ الدائرُ حولكَ الراسمُ
موميائكَ الحافرُ هاويةً
في الروحِ حينَ تميطُ لثامَ آثاركَ تجدني وأنى ترحلْ فأنا
غربتكَ ، أنا الدمُ المتصاعدُ في شرايين تمثالكَ ... وسياجكَ
الأليف . حينما أغراكَ الإبحارُ نسيتَ بأن القاعَ مقبرةٌ
شرهةٌ ، أغراكَ صراخَ لؤلؤةٍ أسيرةٍ فأطلقتَ سراحها لتسكنَ
الصَدَفَةَ ، بحثتَ في جماجمِ الغرقى عن فكرةٍ تحملها إلى
جُزرِ الكلامِ ونسيتَ أنّ الفضاءَ تنخرهُ عثةٌ تعزفُ الخرابَ
بقوسِ قزحٍ ، تسوقُ قطيعَ فراشاتٍ إلى مهدِ كهولتكَ والبحرُ
يَشرقُ بالسفنِ العائدةِ إلى جزرِ الكلام . نسيتَ نسيتَ سفينتكَ المحملةَ بالفكرةِ والفراشاتِ
وصولجاناتكَ المرصعةَ باللآلئ . كنتَ كخالقٍ ضريرٍ يضيء نسلَ الجاحدين .... والآنْ اقرأْ ماذا كُتبَ على جبينِ اعصاركَ : تسكن بي تحيطكَ جهاتي أيها العنكبوت المتواطئُ مع القمر .
|