سَورة الخروج |
( في الذكرى الثانية عشرة لمغادرتي العراق واستشهاد الصديق مهدي نمر سهواً ) منفلتٌ من عقالِ الأب رحتُ أتسلقُ قامتي مطلاًّ علي ، رأيتُ وادياً وجموعاً من الهائمين ينحدرون، صرختُ بهم إن خذوني إلا
أن صرختي - آنذاك - اصطدمتْ بصخرةٍ فظلَّ فمي مفتوحاً وصرختي عرجاء . مرةً قال لي صاحبي ( مهدي نمر ) وقد كانَ سحابةً أفلتتْ من أقطابِ السماء : " الضائعُ مجنونٌ وإن لم يعترفُ الشارع بذلك " وقالَ : " إن مَنْ تغربَ ضاعَ ومَنْ ضاعَ مات " وقالَ أيضاً : " المنفى غابةٌ كثيفةُ الأنياب " قلتُ والخبرةُ أصابعُ غضروفيةٌ تتلمسُ جمرةَ المُشتهى : " كيفَ لو كسرَ الموجُ أطنابَ خيمتنا أو تغوصُ القبائلُ في الرمل ِ هل ؟ " (1) كانتِ الأرضُ تائهةً والمقيمُ غريباً والحلمُ دائرةً مفتوحةً عند الأفق ، كانتِ الأشياءُ تتناسلُ وجعاً وريبةً ، تردداً
وصمتاً منفعلاً ، كيفَ للنفسِ أن تلقي عنها صداعَ الضمير ؟ تركتُ صاحبي واقفاً على ساحلٍ يلوحُ للمعنى وحملتُ أحلامي محلقاً كباشقٍ يحملُ الأرضَ ببراثنهِ . قيلَ : " حينما وصلَ مهدي نمر المسجدَ الكبير فارّاً ، لم يجدْ أحداً هناك ، كانتِ المآذنُ تطوحُ بالدعاءِ في سماء المدينةِ .
راحَ يحدّقُ إلى المآذنِ ( التي خُيّل إليهِ أن نهاياتها تصلُ أبعدَ نقطةٍ في الفضاء ) ويقيسُ ارتفاعها بأذرعِ اليقين " . قيل : " اختفى في مئذنةٍ " وقيلَ : " تسمّرَ في مكانهِ " قيل : " تجذّرَ " وقيلَ : " غاض " خارجاً من ( قلعه دزه ) رحتُ أتسلقُ قامتي مُطلاً علي ، رأيتُ هاويةً وجموعاً من الـ ( بيش مركه ) ينحدرون ، صرخوا بي أنْ تعال
إلا أني اتجهتُ شرقاً حيثُ المآذنُ التي تحدّقُ ببلاهةٍ إلى وجهِ المولى ، منتظراً هناكَ ( بلا أملٍ ) صاحبي عجّلَ اللهُ فرجه . 25/12/1994 فايله ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مقطع من قصيدةٍ كتبتها بالكوت يوم 5/12/1982 وهو يوم مغادرتي البيت .
|